العلاج بالوهــــــم
والإيحاء
تعني كلمة palcebo == I will please
البـلاسيـبـو .. العـــلاج
بالـــوهم نزل أحد المصابين بالربو في فندق فخم. وفي الليل فاجأته الأزمة وشعر
بحاجة للهواء المنعش فاستيقظ مخنوقاً يبحث عن مفتاح الضوء، وحين لم يجده بدأ يتلمس
طريقه للنافذة حتى شعر بملمس الزجاج البارد. ولكنه عجز
عن فتح النافذة فكسر الزجاج وأخذ يتنفس بعمق حتى خفت الأزمة. وحين استيقظ في
الصباح فوجئ بأن النافذة كانت سليمة تماماً، أما الزجاج الذي كسره فكان خزانة
الساعة الضخمة الموجودة في الغرفة!! ما حدث هنا أن الرجل وقع تحت تأثير البلاسيبو أو العلاج بالوهم.
وتأثير الوهم يلعب
دوراً يقدر بـ30% من أي علاج.. بمعنى؛ لو أخذ تسعة أشخاص حبوب اسبيرين
لمقاومة الصداع سيشفى ثلاثة منهم (على الأقل) قبل أن يبدأ مفعول الاسبرين الحقيقي! وفي التجارب التي
تجريها شركات الأدوية على العقاقير الجديدة يقسم المرضى إلى مجموعتين؛ الأولى تعطى
العقار الحقيقي في حين تعطى المجموعة الثانية (بدون علمها) مواد غذائية تشبه
العقار الجديد (وغالباً ما تكون حبوب سكر أو ملح).. وغالباً
ما تنتهي التجربة بشفاء 30% من المجموعة التي لم تعط غير الحبوب الوهمية (وهذا شيء
متوقع).
أما المجوعة الثانية فيعد العقار ناجحاً إذا
تجاوز نسبة التأثير الوهمي (الـ30%) وفاشلاً إذا تساوى معها أو قل عنها!! ورغم
معرفتنا القديمة بتأثير الوهم إلا أن السر الحقيقي لم يكتشف إلا مؤخراً؛ فالفرضية
الجديدة تقول أن هناك تأثيراً مادياً حقيقياً (وليس نفسيا فقط) للبلاسيبو.
ففي
تجارب وهمية كثيرة بدا وكأن الجسم استجاب لدواء حقيقي مادي.. خذ مثلاً صديقنا الذي
كسر الزجاج ؛ من المعتقد أنه تحسن بالفعل لأن رئتيه
تصرفت وكأن هناك أوكسجين حقيقي دخل الغرفة. وفي التجارب التي يعطى فيها المرضى
أدوية وهمية (كحبوب السكر) يستجيب الجسم وكأنه يتلقى
بالفعل العلاج الحقيقي!!
هذه الظاهرة العجيبة جعلت الأطباء ينظرون بتقدير أكبر
لتأثير الوهم في العلاج. بل إن هناك مدرسة طبية جديدة تنادي بإتاحة الفرصة للجسم (لعالج
نفسه بنفسه) من خلال تقنيات البلاسيبو.. وقادة هذا
التيار على قناعة بأن الجسم يصل إلى حدود مدهشة إن أتيحت
له فرصة كهذه؛ ففي مستشفى مونتريال مثلاً قام الأطباء بعمليات جراحية وهمية لمرضى الزهايمر (لم يفعلوا خلالها غير
فتح الجمجمة ثم إعادة تلحيمها).. ومن المعروف أن هذا
المرض ناجم عن تآكل حقيقي لبعض خلايا الدماغ. ولكن الأطباء أقنعوا المرضى أنهم سيزرعون في أدمغتهم خلايا بديلة. وحين
استيقظوا وشاهدوا آثار جراحة حقيقية شهد ثلثهم تحسناً فورياً!! غير أن أهم مجال
يتفوق فيه البلاسيبو هو تخفيف الألم بخداع الدماغ ذاته،
فقد اتضح أن 50% من المرضى يخف لديهم الألم إن أقنعتهم
أن هذه الحبة (أو تلك الحقنة) هي فاليوم أو مورفين. وما يحدث هنا أن الدماغ يقطع
الاتصال مع نهايات الأعصاب وكأنه واقع بالفعل تحت تأثير الفاليوم
أو المورفين.
إحدى الطبيبات كانت تشرف على علاج طفلة
مصابة بأنيميا منجلية حادة، وهذا المرض يسبب آلاماً لا
تطاق في العظام والمفاصل، وعند اللزوم يعطى الأطفال حقنة بيثيدين
(كمخدر) لتسكين الآلام. مع الأيام تعلمت الطفلة أن هذه الحقنة تجلب لها الراحة
فأصبحت تطالب بها باستمرار. ولكن خشية الإدمان أصبحت الطبيبة تعطيها حقنة (ماء
وملح) على أنه بيثيدين. كما
يحدث مع الحقنة الحقيقية يخف الألم فوراً وتدخل الطفلة في نوم عميق.. غير أن إحدى
الممرضات أفشت سر الحقنة الجديدة فوصل الخبر للطفلة فتلاشى مفعولها..
ليس هذا وحسب، بل أصبحت على قناعة أن حتى حقن البيثيدين
مجرد خداع فلم تعد تؤثر فيها!
ويعاني
كثير من المرضى آلاما بعد الجراحة وتزول هذه آلام بعــد إعطائهم حقنة لا تنفع
ولا تضر عبارة سالين معقم .. ولعـــل من الأخطـــاء
الشائعة ان هؤلاء المرضى لا يعانون من الم حقيقي بل هم
فقط يتصورون ذلك وهذا يفسر زواله بعد الحقنة .. ولكن هذا
غير صحيح .
الإيحاء علاج
فعال لكثير من الأمراض
الطب لا يزال عاجزا وهو سيظل كذلك.
بهذه الكلمات
أسر أحد كبار أساتذة الطب العالميين في
كتاب له بعنوان الطب كفايات وإحباطات.
وتزداد
أزمة الطب في محاولاته الحفاظ على علميته في وجه الشفاء العجائبي وشعبيته.
ومن أهم فروع هذا الشفاء فرعان يشكلان تحدياً مؤرقا للطب. الأول هو: الشفاء بالإيحاء والثاني: الشفاء بالبلاسيبو أو العلاج الخادع. ويتداخل هذان الفرعان حتى يصعب الفصل بينهما.وحدها براغماتية الطب الأميركي تخطت المعرفة إلى الدراية فاستطاعت تجنيد ممارسات شفائية عديدة لخدمة المرضى على الرغم من الشك بعلميتها. لذلك كان من الطبيعي أن ينشأ الطب السيكوسوماتي في أحضان الطب الأميركي. ومن ثم إن يتسرب إلى أوروبا كي يكتسب بعض العقائدية النظرية. عن هذا الموضوع يقول الدكتور محمد أحمد النابلسي رئيس تحرير مجلة الثقافة النفسية المتخصصة التي تصدر عن مركز الدراسات النفسية والنفسية الجسدية بلبنان: ان العلاج المخادع البلاسيبو يختلف في رأينا عن آليات السيكوسوماتيك الشفائية. إذ يحرك الدواء الخادع الآليات السيكوسوماتية التي لا تزال غامضة وغير محددة بدقة علمية كافية.
وفي هذا المجال نذكر ونعرض ما جاء بالكتاب الصادر حديثا في الولايات المتحدة تحت عنوان: الاستجابة للدواء الخادع الذي نعرضه في ما يلي: إن الأمر يبدو كما لو كان معجزة طبية، بل هو بالفعل معجزة حيث استطاع الأطباء بشكل ما علاج أمراض لم يعرف لها علاج بصورة قاطعة من خلال الإيحاء للمريض والحالة الآتية تمثل نموذجا لهذه «المعجزة» فالمريضة كانت تعانى من حالة مرض «باركنسون» الشلل الرعاش، حتى أن الصور التي التقطت لها أظهرت حدة هذه الحالة لدرجة أن المريضة لم تكن تقوى على السير بضع خطوات، ولكن بعد حوالي شهرين قامت إحدى المحطات التلفزيونية الإخبارية بتصوير هذه السيدة المريضة وهي تسير بشكل طبيعي في غرفتها بعد إجرائها لإحدى جراحات المخ لعلاج المرض. المفاجأة أن الجراحة التي أجريت للمريضة كانت وهمية ونوعا من «الإيحاء» أو «الإيهام» حيث أكد لها الأطباء أنها ستخضع للعلاج في إطار دراسة على عمليات زرع الخلايا وبالفعل تم وضع المريضة تحت تأثير المخدر وإحداث بضعة ثقوب في الجمجمة دون نقل أي خلية جديدة للمخ، وبالتالي فان حالة التحسن التي طرأت عليها كان مرجعها رد فعلها الإيحائي أو اثر إلى «بلاسيبو» و أكدت الأبحاث أن المرضى الذين خضعوا لهذه الجراحات الإيحائية قد حققوا فائدة مماثلة للذين مروا بعملية زرع خلايا في المخ. ولعشرات السنوات التي مضت كان ينظر لأثر الـ «بلاسيبو» على اعتبار انه الحجة الأخيرة للأطباء غير المتمكنين والذين لم يكن لديهم علاج حقيقي يقدمونه لمرضاهم. بينما كانت حالات التحسن التي يشعر بها المرضى في حالات وهمية «نصيب» مرضى الوهم الذين يعانون أمراضا خيالية وأخيرا أصبح تأثير الـ «بلاسيبو» موضوع دراسة علمية جادة.
العلاج بالايحاء
الواضح أن العقل يمكنه شفاء الجسم إذا امتلأ بروح الأمل والتفاؤل. والسؤال هو: هل بإمكاننا تفجير قوى البلاسيبو عن وعي منا أو بإرادتنا؟ سؤال طرحته مجلة نيوزويك الأميركية ضمن موضوع عن البلاسيبو أو العلاج بالإيحاء وذكرت المجلة أن الباحثين استطاعوا التعرف إلى عدة طرق أو روابط تربط بين الحالة العقلية والصحة الجسدية. ونحن نعرف على سبيل المثال أن الأفكار المهدئة تبطئ من إنتاج هرمونات التوتر الضارة.
وفي جامعة هارفارد قالت العالمة. «ان هارنجتون»: أن الـ «بلاسيبو» هو الأكاذيب التي تساعد على الشفاء، وإن كثيراً من الأطباء يلجأون إلى هذا الأسلوب في معالجة مرضاهم، ففي الأربعينيات لجأ الأطباء الأميركيون إلى إعطاء مرضاهم أقراصا من السكر وإيهامهم بأنها عقاقير طبية نافعة واستطاعوا من خلال هذه الأكاذيب أن يساعدوا على شفاء مرضاهم، واكتشف الأطباء أن الإيحاء قد يكون أكثر فاعلية من العقاقير الطبية.
وفي ولاية تكساس ابتدع الأطباء عملية جراحة اسمها جراحة اللا شيء أو العدم استخدموها بكثافة في علاج آلام الركبة والمفاصل ويقومون بتخدير المرضى وإجراء فتحة كبيرة بالمشرط حول الركبة دون أن يفعلوا أي شيء داخلها وكانت المفاجأة انه بعد عامين من هذه الجراحة الوهمية امتثل جميع المرضى للشفاء واختفت الآلام واصبحوا يعيشون حياة طبيعية.
وفي مجال علم النفس اكتشف الأطباء أنهم يستطيعون تحقيق الشفاء لمرضى الاكتئاب النفسي باستخدام تكنيك البلاسيبو وفي دراسة حديثة لمرضى الصلع تبين أن استخدام هذا التكنيك الوهمي يساعد على عدم سقوط الشعر ونموه بشكل غزير. وفي جزيرة كوشر في فنزويلا تم إجراء تجربة على الأطفال المصابين بمرض الربو بحيث كان يقدم لهم دواء لتوسيع الشعب الهوائية مطحونا. و«شمة» من الفانيليا ثم بدأوا بعد ذلك في منع تقديم أدوية توسيع الشعب والاكتفاء بالفانيليا وللغرابة فان رائحة الفانيليا وحدها كانت تعمل على زيادة كفاءة عمل الرئة لدى الأطفال المصابين بشكل بلغ 33% مثلاً لاستخدام الأدوية الموسعة للشعب وحدها.
وفي مجال العلاقات الجنسية كان تأثير الـ بلاسيبو عظيماً بالنسبة للرجال والنساء على حد سواء. وكذلك في مجال القضاء على الآلام، وفي ذلك يقول العلماء أن هناك مادة يفرزها الاندورفين وهي شبيهة بمادة المورفين التي يقدمونها لتخفيف الآلام وهذه المادة يمكن إفرازها بالإيحاء والإيهام. وربما أمكن للأطباء يوما التلاعب بهذه الأنظمة ميكانيكيا من خلال حفز الأعصاب المتحكمة فيها. وكما يفعل الأطباء بإرسال الرسائل الإيحائية للمرضى يمكن للمرضى أيضا أن يفعلوا نفس الشيء وإحدى هذه الاستراتيجيات هي فحص ودراسة القصص أو الحكايات التي ننقلها لأنفسنا وللآخرين. فالقصص بمثابة أدوات قوية لأننا عندما نذكر رواية عن شيء ما نشعر بأننا قد خسرنا هذا الشيء وفي حالات المرض فاننا نتجه للتركيز على اللحظات غير السعيدة مما قد يتسبب في تدهور حالة المريض من خلال دعم مشاعر العجز والانهزامية، وهذه ليست كل السيناريوهات التي يمكننا بناؤها، فقد كان هناك مريض يعاني من نوبات صداع نصفي متكررة بسبب بحثه عن وظيفة، وعند النظر عن قرب إلى القصة التي يرويها عن المرض اكتشف أنها تزيد من حدة نوبات الصداع، حيث أنه عند بوادر الألم يقوم بتكوين نظرية مفزعة عن العجز التام الذي سيصاب به قريباً ومجرد أن تعلم هذا المريض كيف يؤكد لنفسه قدرته على التعامل مع نوبات الصداع خفتت بالفعل حدة هذه النوبات وسرعان ما بدأ عملا جديدا، وبعد عام من العمل لم يتغيب سوى يوم واحد بسبب الصداع!.
وطرق قوى بلاسيبو ليست دائما سهلة ففي بعض الأحيان تكون الاستراتيجية المناسبة الوحيدة هي الانضمام لإحدى جماعات مساندة المريض، والتي يتمكن من خلالها من طرح قصته وإشراك الجميع فيها والاستفادة من آراء الآخرين.
وفي دراسة أجريت منذ الثمانينيات في «ستانفورد» جاءت نتائجها لتؤكد أن مرضى سرطان الثدي الذين اشتركوا في جماعة المساندة عاشوا لمدة 18 شهرا اكثر من هؤلاء الذين تلقوا علاجا تقليديا. ويروي مؤلف الكتاب تجربة تثبت بوضوح اكثر كيفية عمل الصيدلية الداخلية للجسم من خلال تجربة زوجته الشخصية «درالين» وهى راقصة فنون شعبية كانت قد أصيبت بنتوء عظمي في قدمها سبب لها آلاما شديدة فعند الكشف عليها قرر الأطباء انه لا بد من إجراء عملية جراحية لإزالة هذا النتوء. لكنها رفضت ذلك لارتباطها بعروض راقصة مهمة مع فرقتها، ثم حدث أن التقت «درالين» بإحدى المعالجات الروحانيات وتدعى «باتريشيا» التي طلبت منها إغماض عينيها والاستغراق في حالة استرخاء تام واستدعاء حالة من التوازن الصحي والكمال الجسدي تشبه حالتها الطبيعية دون أن تشعر بأي ألم في هذه الجلسة التي لم تستغرق سوى دقائق.
وطبقا لتوالي سرد التجربة فان درالين لم تكن تؤمن بجدوى هذه المحاولة العلاجية ورغم أنها لم تلحظ أية تغييرات في حالتها إلا أنها عادت مرة أخرى إلى «باتريشيا» لتكرار المحاولة وتصادف أن «درالين» كانت غير مرتبطة بأية عروض راقصة في ذلك الوقت وانشغلت بأشياء أخرى ونسيت تماما النتوء العظمى في قدمها.
وبعد شهر لاحظت اختفاء النتوء من قدمها تماماً ولم يعد بعد ذلك أبداً! وهناك أكثر من احتمال لتفسير ما حدث لدرالين: الأول هو نجاح العلاج الروحاني الجسدي لمعالجة باتريشيا على الرغم من عدم وجود أي دليل علمي يؤكد ذلك وهو الأمر الذي يطرح سؤالاً مهما: هل يمكن أن يكون لمثل هذه القوة العقلية تأثير على ما حدث لدرالين؟ يجيب الكاتب انه لا بد أن نترك المجال مفتوحا لهذا الاحتمال فهناك مقولة معروفة بين الأطباء تشير إلى هذا ما دمنا لا نملك دليلاً علميا على أن هناك نوعا معينا من العلاج له تأثير على مرض ما فهذا لا يعني أنه ليس له أي تأثير على الإطلاق، والاحتمال الثاني هو ضمور النتوء العظمي ذاتيا ويعتمد هذا الاحتمال بصورة أساسية على فكرة النظر إلى العظام على أنها جزء من أجزاء الجسم بل إن الحقيقة انه من اكثر الأنسجة الجسمية ديناميكية ولذلك فقد نما من هذا النسيج جزء ظهر على هيئة نتوء نتيجة لضغط موضعي على العظام وعند انتهاء هذا الضغط وجد الجسم أنه ليس هناك حاجة لهذا الجزء الزائد فامتصه.
أما الاحتمال الثالث فهو أن النتوء العظمي تحسن من تلقاء نفسه وهذا الاحتمال لا بد أن يوضع في الاعتبار لان هناك عاملا آخر هو «التطور التاريخي الطبيعي» للمرض وهو من الأشياء المهمة التي تشبه الاستجابة الحقيقية للعلاج بالبلاسيبو، الا أن هناك عاملا واحدا يقف ضد هذا الاحتمال وهو ما يعتقده اثنان من الأطباء الممارسين وهو أن هذا النتوء استمر وقتا طويلا لدرجة انه لا يمكن معها أن يختفي من تلقاء نفسه.
والجسم البشري يفرز تلقائياً مادة تسمى «الشفاء الذاتي» لكنه أحياناً يكون بطيئا في إفراز هذه المادة وفي هذه الحالة يكون في حاجة إلى مساعدة خارجية لحث صيدلية الجسم على العمل بكفاءة أكثر. وكذلك الاستجابة للعلاج بالبلاسيبو، فهي تحتاج إلى مساعدة خارجية تتمثل في بعض العقاقير الإيحائية لتساعد على الشفاء.
وجسم الانسان تركيبة معقدة يعد أحد أهم ملامحها تكوينه للعلاج المناسب للخلل الوظيفي الذي قد يصيب أحد أجزائه. فهو يقوم بإفراز بعض العناصر الكيميائية أوتوماتيكيا لعلاج المرض بمقدار معين وهو ما يعرف بالصيدلية الداخلية أي المصطلح الذي يلقي بعضا من الضوء على الاستجابة للعلاج بالبلاسيبو الذي طال الجدال حوله في القرن الماضي.
وعندما نأخذ نظرية «الصيدلية الداخلية» في الاعتبار لا يمكننا أن نرى فرقاً ملحوظاً بين قدرة قوة الخيال على العلاج والقوى الجسمية المتأصلة للعلاج.
فالصيدلية الداخلية هي إحدى القوى الجسمية المتأصلة للعلاج بمعنى أنها موجودة كجزء أساسي من أجزاء الجسم، فهي ليست خاصية مكتسبة يكتسبها الجسم بالخبرة أو الممارسة ولا هي خاصية إضافية.
وفي العلاج التلقائي يتجه الجسم لشفاء نفسه دون الاعتماد على أية رسائل داخلية أو خارجية موجهة للمخ لاستثارة هذا العلاج.
لكن في العلاج بالبلاسيبو يعتمد الجسم بصورة أساسية على رسالة موجهة إليه لها إيحاء معين ويتم توجيهها للمخ إما عن طريق المريض نفسه وإما من الشخصية المعالجة له.
هذه الرسالة تعمل على حث المخ ودعمه لرفع تأثير علاج موجود بالفعل في داخل الجسم أو بمعنى تحسين سير العملية العلاجية ويصنف د. اندرو تايلور مؤسس علم التخدير بأنه «مخزن الدواء الإلهي».
كما تمكن العلماء مؤخراً من التوصل إلى أن جسم الإنسان يقوم بإنتاج مادة كيميائية مخدرة هي «اندروفين» التي تعمل على التخدير وتسكين الآلام والتي يتم إنتاجها ضمن عناصر الصيدلية الداخلية للجسم.
و ليست هناك قاعدة تقضي باختيار الجسم أو تفصيله بين العلاج الداخلي أو الخارجي لشفائه وإنما يحدث الشفاء السريع عن طريق ربط العلاج الخارجي بنتائج عمل الصيدلة الداخلية.
و من الملاحظ أن الاتجاه العام في الطب أو في أي نظام علاجي يعتمد إلى حد كبير على مهارة وقوة المعالج مع إهماله القوة العلاجية للمريض وهو الاتجاه الذي يحاول الطب البديل تبنيه هذه الأيام مما زاد من شعبيته عن العلاج التقليدي بمراحل.
الصيدلية الداخلية
و يعتبر مصطلح " الصيدلة الداخلية" عاملاً مهما يؤكد مساهمة المريض الفعالة في العملية العلاجية وهو كما يقول الكاتب المصطلح الذي يعطي صورة شاملة وإيجابية وموضوعية للعلاج بالبلاسيبو لأن عدم التأكد من نتائج العلاج بالبلاسيبو يعتبر إحدى النقاط الأساسية التي تقودنا إلى تقدم العلاج والتي تجعل العلماء يرفضون الاقتناع بالعلاج بالبلاسيبو لأنهم يفضلون الحقائق والأمور التي يمكن التنبؤ بنتائجها من خلال وقائع تقترب من درجة القوانين خاصة الاستجابة للعلاج بالبلاسيبو لا تعطي نفس النتائج دائما فالعلاج الذي ينجح مع بعض المرضى ربما لا يفيد في حالات أخرى مشابهة.
و للتأكد من نسبة الشفاء المذكورة في الدوريات العلمية نتيجة لاستخدام العلاج بالبلاسيبو لعلاج قرحة المعدة وهي شفاء ثلث المرضى المعالجين بهذه الطريقة قام بعض الأطباء بإجراء دراسة على استخدام البلاسيبو مع مرضى القرحة ومقارنته باستخدام دواء جديد كان قد ظهر في السبعينيات واعتبر ثورة في علاج القرحة في ذلك الوقت لأنه يعمل على إرجاع الحامض المعدي السبب الرئيسي لحدوث القرحة.
و كانت النتيجة أن نسبة الشفاء المذكورة التي تم شفاؤها عن طريق العلاج بالبلاسيبو قد اقتربت تماماً ممن طرق العلاج التقليدية الأخرى وهي نسبة صحيحة وحقيقة.
من هنا فإن السبب الحقيقي وراء عدم اقتناع العلماء بهذه النسبة هو عدم اهتمام العلماء بالنتائج التي يحققها العلاج بالبلاسيبو لذلك فإنه عندما تتساوى نتائج العلاج بالإيحاء مع أي نوع تقليدي آخر فإن العلماء يذكرون نجاح العلاج التقليدي فقط دون لعلاج بالبلاسيبو.
و القضية الحقيقية - على حد تأكيد الكاتب - للعلاج التقليدي ليست في كيفية نجاح تعامله مع المرضى الذين يتجهون لاستخدام العلاج البديل. و لكن في كيفية استعادة العلوم والمعرفة التي افتقدناها عن هذا النوع من العلاج.
و الاستجابة للعلاج بالبلاسيبو من خلال الصيدلية الداخلية للجسم تمثل نقطة تقاطع مهمة مع العلاج التقليدي والبديل، خاصة أن العلاج التقليدي ما زال يلقي الاهتمام والاستحسان عن العلاج البديل أكثر من أي وقت مضى.
و بالمقارنة بين طريقتي العلاج التقليدي والبديل يجب أن نضع في الاعتبار كلتا الطريقتين قد تم استخدامهما على نطاق واسع في مجال العلاج. إلا أنهما كانت كثيرا ما تحجبان المعلومات أكثر مما توضحانها.
علاقة متبادلة
وقد أوضح أطباء العلاج التقليدي إلى أي مدى تصل أهمية ارتباط العقل بالجسم وهو ما يتحقق بإشراك المريض في العملية العلاجية بجميع مراحلها على نحو يقوم به أطباء العلاج البديل الذين يوثقون علاقتهم بمرضاهم بينما يكتفي الأطباء الآخرون بمجرد إعطاء المريض الدواء من دون التحدث معه أو الاستماع إليه لأنه ينظر إليه باعتباره مجرد مستقبل للدواء وبالتالي يصبح شفاؤه متوقعا مع إغفال تام للطبيعة النفسية للمريض وموقفه من الشفاء.. ورغم ذلك اضطر الأطباء التقليديون إلى الاعتراف بالطب البديل عن تراض منهم واقتناع.. مما أدى إلى قيام بعض الأطباء التقليديين بدراسة العديد من أنواع الطب البديل لعلاج مرضاهم بالطريقة التي يرونها.
وهناك فارق كبير بين العلاج التقليدي والبديل اليوم الذي يعتمد بصورة أساسية على الاستجابة للعلاج بالبلاسيبو ليحقق نتيجة جيدة في الشفاء اكثر من الدواء التقليدي لان هناك بعض الأمراض التي لا يمكن علاجها بالعلاج التقليدي وفي هذه الحالة يبدأ المريض في البحث عن العلاج البديل للقضاء على الآلام المزمنة والتهاب المفاصل الذي لا يتأثر ولا يتحسن بالعلاج التقليدي ولان المعالجين ينظرون للمرضى باعتبارهم عاملا فعالا ومشاركا في العلاج ويضع المرضى موضع المتحكم أو المنظم للعلاج فيمكنهم اختيار الأعشاب المريحة وانتفاء المعالج الروحاني المناسب.
ووجدت الاستجابة للبلاسيبو أخيراً مكانها المناسب والصحيح في التشابه مع العلاجات الأخرى ويرجع ذلك إلى نقطة التلاقي الخصيبة بين كل من العلاج التقليدي والبديل.
ويرى الكاتب أن هناك تأثيرا رمزيا لكلتا الطريقتين التقليدية والبديلة والتي يعزو إليها التأثير في معنى ما إذا كان الشخص مريضاً أو معافى كما أن النوعين من العلاج يتطلبان فترة زمنية طويلة لتحقيق الشفاء.
والحالات التي استجابت للعلاج بالبلاسيبو كانت كلها نتيجة لتحدث المريض عن مرضه ووجود من يستمع له ويجد في المقابل شرحا لمرضه وطريقة علاجه وما المفروض أن يفعله تجاهه. ويشعر بان هناك من يهتم به ويشعر بأهمية هذا الاهتمام. مما يؤدي إلى وصول المريض إلى إحساس قوي بالقدرة على التحكم في مرضه أو أعراضه.
وفي الحقيقة يبدو أن هذه الطريقة مؤثرة في الحالات الحرجة التي يواجهها العلاج التقليدي ولا تأتي بنتيجة جيدة. أما نوعية المرضى الذين يقبلون على الطب البديل فهي لا تقتصر على فئة معينة وإنما تمتد إلى المتعلمين والمصابين بأمراض خطيرة بالإضافة إلى الأمراض النفسية.
ويرى د. تيد كابتشوك. ود. ديفيد ايزنبرج من كلية الطب في جامعة هافارد أن سبب جذب العلاج البديل للمرضى أولا أن الطبيعة والمؤثرات الطبيعية كلها معا تعتبره قوة فعالة والتي تعتبر مؤشرا جيدا بالنسبة لنا. أن تكون قوة الطيعة متكاتفة معا في صفنا وثانياً لان العلاج البديل مليء بالعلم والمعلومات التي يمكن أن تقرأها في كتاب وان تتعلم كيفية العلاج بنفسك وليست له أي علاقة بالكيمياء أو بالطيعة الحيوية.
الاستجابة للعلاج
وكذلك دخلت الروحانيات في كثير من العلاجات البديلة مثل العمل اليومي للمحافظة على صحتك سليمة يمكن أن يشبه الطقوس الدينية أو مثل تناول بعض الأعشاب لكي تظل بصحة جيدة أو للشفاء من المرض وبمرور الوقت تصبح مثل هذه الأشياء اليومية البسيطة ضمن معاني الإصلاح. ويرى الكاتب أن التسامح والرغبة في الشفاء هما من الأشياء التي تفتح الطريق للصيدلية الداخلية للجسم لتؤدي عملها بصورة فعالة وبالتالي تتم الاستجابة لتؤدي عملها بصورة فعالة ومن ثم الاستجابة للعلاج والشفاء التام.
والدليل على ذلك ما حدث أثناء الحرب العالمية الثانية في الوقت الذي لم تكن تعلم فيه ما تعرفه الآن عن الصيدلية الداخلية. أصيب بعض الجنود في الحرب وكانوا يقيمون في المستشفى لتلقي العلاج وعندما علموا أن حالتهم الصحية في تحسن مما قد يجعلهم يعودون مرة أخرى لساحة القتال ولان صورة زملائهم الذين قتلوا في المعركة كانت لا تزال في مخيلتهم وعلى الرغم من رغبتهم في الدفاع عن وطنهم إلا انهم لم يكونوا سعداء بهذا التحسن نتيجة لشعورهم الداخلي بأنهم ربما يلاقون نفس مصير زملائهم القتلى مما اثر في معدل تحسن حالتهم الصحية وذلك لان الصيدلية الداخلية لم تقم بعملها بصورة فعالة نتيجة لهذا الشعور الداخلي مما اثر في معدل تحسن حالتهم الصحية لأنهم لم تكن لديهم الرغبة في الشفاء.
أما ريتشارد 40 سنة فقد أصيب بالشلل نتيجة لحادث سيارة أدى إلى كسر العمود الفقري مما أدى إلى جلوسه على كرسي متحرك وأصيب بحالة اكتئاب لأنه اصبح عالة على زوجته التي تعمل لرعاية الأسرة كما أصيب أيضا بآلام في ذراعيه نتيجة لاستخدامه عضلات يده في تحريك.. الكرسي وقام بتجربة أنواع كثيرة من الأدوية دون فائدة وحاول الطبيب أن يعرف سبب غضب ريتشارد المستمر وتحدث معه فصارحه أنه لن يسامح السائق المسئول عن الحادث أبدا لأنه السبب فيما يعانى منه الآن ولكن عندما علم من الطبيب أن وضعه هذا سيستمر ولن يتغير بدأ في الغفران والتسامح تدريجيا وعند ذلك بدأ الألم يختفي.
يقول الطبيب أن التسامح والمغفرة أداة قوية لمساعدة الصيدلية الداخلية على العمل بكفاءة عندما يكون هذا التسامح حقيقياً.
أما حالة رودني الذي كان يعاني من انفصام في الشخصية وكان يتابعه د. أوبن من مستشفى ماساتشوشتس فعندما رفض التحدث إلى الطبيب أعطاه دواء لتهدئته وعلى الرغم من أنه كان يزيد الجرعة تدريجيا إلا أنه لم يكن يؤثر في حالته حتى جاء يوم بدأ فيه رودنى التحدث مع الطبيب وقال له: انك كنت دائما تحاول مساعدتي ولم تغضب مني على الرغم من أنني كنت أرفض التحدث إليك وأنا الآن سأتناول العلاج ولكن الأقراص وليست الحقن لأنني كنت أكرهك وأكره الطريقة التي كنت تعالجني بها. وبعد تناول رودنى للدواء تحسنت حالته خلال أسبوع والسبب في ذلك هو أن الصيدلية الداخلية يمكن أن تمنعك من التحسن إذا لم تكن لديك الرغبة في الشفاء. والتسامح له شقان: شق مع الغير وذلك عن طريق تطهير النفس من المشاعر السلبية نحو الآخرين مثل تسامح والد إحدى الفتيات التي لقيت حتفها في حادث انفجار أوكلاهوما مع والد القاتل حين شعر بمأساته لأنه مضطر لتسليم ابنه ليواجه حكم الإعدام فتخلى عن شعوره العدائي للقاتل وتعامل معه من وجهة نظر متسامحة مما دفع عنه الأعراض المرضية التي كانت قد بدأت تظهر عليه كنتيجة لمشاعر الكراهية والعداء التي تمكنت منه.
الشق الآخر هو التسامح مع النفس وهذا هو الأهم وهي نقطة يغفلها الكثيرون فإحساس المريض بمسئوليته عن مرضه أو عن عدم تحقيق الشفاء المرجو يتسبب في مضاعفة الآلام واشتداد وطأة المرض عليه.
فالمشاعر الإيجابية تتسبب في تهيئة الممرات لاستقبال العناصر الإيجابية وتحقيق الشفاء السريع كما أنها تتسبب أيضاً بذلك وبشكل غير مباشر في دفع الصيدلية الداخلية لإنتاج الدواء المطلوب . . منقول من منتديات حوى عن البيان
ومن أهم فروع هذا الشفاء فرعان يشكلان تحدياً مؤرقا للطب. الأول هو: الشفاء بالإيحاء والثاني: الشفاء بالبلاسيبو أو العلاج الخادع. ويتداخل هذان الفرعان حتى يصعب الفصل بينهما.وحدها براغماتية الطب الأميركي تخطت المعرفة إلى الدراية فاستطاعت تجنيد ممارسات شفائية عديدة لخدمة المرضى على الرغم من الشك بعلميتها. لذلك كان من الطبيعي أن ينشأ الطب السيكوسوماتي في أحضان الطب الأميركي. ومن ثم إن يتسرب إلى أوروبا كي يكتسب بعض العقائدية النظرية. عن هذا الموضوع يقول الدكتور محمد أحمد النابلسي رئيس تحرير مجلة الثقافة النفسية المتخصصة التي تصدر عن مركز الدراسات النفسية والنفسية الجسدية بلبنان: ان العلاج المخادع البلاسيبو يختلف في رأينا عن آليات السيكوسوماتيك الشفائية. إذ يحرك الدواء الخادع الآليات السيكوسوماتية التي لا تزال غامضة وغير محددة بدقة علمية كافية.
وفي هذا المجال نذكر ونعرض ما جاء بالكتاب الصادر حديثا في الولايات المتحدة تحت عنوان: الاستجابة للدواء الخادع الذي نعرضه في ما يلي: إن الأمر يبدو كما لو كان معجزة طبية، بل هو بالفعل معجزة حيث استطاع الأطباء بشكل ما علاج أمراض لم يعرف لها علاج بصورة قاطعة من خلال الإيحاء للمريض والحالة الآتية تمثل نموذجا لهذه «المعجزة» فالمريضة كانت تعانى من حالة مرض «باركنسون» الشلل الرعاش، حتى أن الصور التي التقطت لها أظهرت حدة هذه الحالة لدرجة أن المريضة لم تكن تقوى على السير بضع خطوات، ولكن بعد حوالي شهرين قامت إحدى المحطات التلفزيونية الإخبارية بتصوير هذه السيدة المريضة وهي تسير بشكل طبيعي في غرفتها بعد إجرائها لإحدى جراحات المخ لعلاج المرض. المفاجأة أن الجراحة التي أجريت للمريضة كانت وهمية ونوعا من «الإيحاء» أو «الإيهام» حيث أكد لها الأطباء أنها ستخضع للعلاج في إطار دراسة على عمليات زرع الخلايا وبالفعل تم وضع المريضة تحت تأثير المخدر وإحداث بضعة ثقوب في الجمجمة دون نقل أي خلية جديدة للمخ، وبالتالي فان حالة التحسن التي طرأت عليها كان مرجعها رد فعلها الإيحائي أو اثر إلى «بلاسيبو» و أكدت الأبحاث أن المرضى الذين خضعوا لهذه الجراحات الإيحائية قد حققوا فائدة مماثلة للذين مروا بعملية زرع خلايا في المخ. ولعشرات السنوات التي مضت كان ينظر لأثر الـ «بلاسيبو» على اعتبار انه الحجة الأخيرة للأطباء غير المتمكنين والذين لم يكن لديهم علاج حقيقي يقدمونه لمرضاهم. بينما كانت حالات التحسن التي يشعر بها المرضى في حالات وهمية «نصيب» مرضى الوهم الذين يعانون أمراضا خيالية وأخيرا أصبح تأثير الـ «بلاسيبو» موضوع دراسة علمية جادة.
العلاج بالايحاء
الواضح أن العقل يمكنه شفاء الجسم إذا امتلأ بروح الأمل والتفاؤل. والسؤال هو: هل بإمكاننا تفجير قوى البلاسيبو عن وعي منا أو بإرادتنا؟ سؤال طرحته مجلة نيوزويك الأميركية ضمن موضوع عن البلاسيبو أو العلاج بالإيحاء وذكرت المجلة أن الباحثين استطاعوا التعرف إلى عدة طرق أو روابط تربط بين الحالة العقلية والصحة الجسدية. ونحن نعرف على سبيل المثال أن الأفكار المهدئة تبطئ من إنتاج هرمونات التوتر الضارة.
وفي جامعة هارفارد قالت العالمة. «ان هارنجتون»: أن الـ «بلاسيبو» هو الأكاذيب التي تساعد على الشفاء، وإن كثيراً من الأطباء يلجأون إلى هذا الأسلوب في معالجة مرضاهم، ففي الأربعينيات لجأ الأطباء الأميركيون إلى إعطاء مرضاهم أقراصا من السكر وإيهامهم بأنها عقاقير طبية نافعة واستطاعوا من خلال هذه الأكاذيب أن يساعدوا على شفاء مرضاهم، واكتشف الأطباء أن الإيحاء قد يكون أكثر فاعلية من العقاقير الطبية.
وفي ولاية تكساس ابتدع الأطباء عملية جراحة اسمها جراحة اللا شيء أو العدم استخدموها بكثافة في علاج آلام الركبة والمفاصل ويقومون بتخدير المرضى وإجراء فتحة كبيرة بالمشرط حول الركبة دون أن يفعلوا أي شيء داخلها وكانت المفاجأة انه بعد عامين من هذه الجراحة الوهمية امتثل جميع المرضى للشفاء واختفت الآلام واصبحوا يعيشون حياة طبيعية.
وفي مجال علم النفس اكتشف الأطباء أنهم يستطيعون تحقيق الشفاء لمرضى الاكتئاب النفسي باستخدام تكنيك البلاسيبو وفي دراسة حديثة لمرضى الصلع تبين أن استخدام هذا التكنيك الوهمي يساعد على عدم سقوط الشعر ونموه بشكل غزير. وفي جزيرة كوشر في فنزويلا تم إجراء تجربة على الأطفال المصابين بمرض الربو بحيث كان يقدم لهم دواء لتوسيع الشعب الهوائية مطحونا. و«شمة» من الفانيليا ثم بدأوا بعد ذلك في منع تقديم أدوية توسيع الشعب والاكتفاء بالفانيليا وللغرابة فان رائحة الفانيليا وحدها كانت تعمل على زيادة كفاءة عمل الرئة لدى الأطفال المصابين بشكل بلغ 33% مثلاً لاستخدام الأدوية الموسعة للشعب وحدها.
وفي مجال العلاقات الجنسية كان تأثير الـ بلاسيبو عظيماً بالنسبة للرجال والنساء على حد سواء. وكذلك في مجال القضاء على الآلام، وفي ذلك يقول العلماء أن هناك مادة يفرزها الاندورفين وهي شبيهة بمادة المورفين التي يقدمونها لتخفيف الآلام وهذه المادة يمكن إفرازها بالإيحاء والإيهام. وربما أمكن للأطباء يوما التلاعب بهذه الأنظمة ميكانيكيا من خلال حفز الأعصاب المتحكمة فيها. وكما يفعل الأطباء بإرسال الرسائل الإيحائية للمرضى يمكن للمرضى أيضا أن يفعلوا نفس الشيء وإحدى هذه الاستراتيجيات هي فحص ودراسة القصص أو الحكايات التي ننقلها لأنفسنا وللآخرين. فالقصص بمثابة أدوات قوية لأننا عندما نذكر رواية عن شيء ما نشعر بأننا قد خسرنا هذا الشيء وفي حالات المرض فاننا نتجه للتركيز على اللحظات غير السعيدة مما قد يتسبب في تدهور حالة المريض من خلال دعم مشاعر العجز والانهزامية، وهذه ليست كل السيناريوهات التي يمكننا بناؤها، فقد كان هناك مريض يعاني من نوبات صداع نصفي متكررة بسبب بحثه عن وظيفة، وعند النظر عن قرب إلى القصة التي يرويها عن المرض اكتشف أنها تزيد من حدة نوبات الصداع، حيث أنه عند بوادر الألم يقوم بتكوين نظرية مفزعة عن العجز التام الذي سيصاب به قريباً ومجرد أن تعلم هذا المريض كيف يؤكد لنفسه قدرته على التعامل مع نوبات الصداع خفتت بالفعل حدة هذه النوبات وسرعان ما بدأ عملا جديدا، وبعد عام من العمل لم يتغيب سوى يوم واحد بسبب الصداع!.
وطرق قوى بلاسيبو ليست دائما سهلة ففي بعض الأحيان تكون الاستراتيجية المناسبة الوحيدة هي الانضمام لإحدى جماعات مساندة المريض، والتي يتمكن من خلالها من طرح قصته وإشراك الجميع فيها والاستفادة من آراء الآخرين.
وفي دراسة أجريت منذ الثمانينيات في «ستانفورد» جاءت نتائجها لتؤكد أن مرضى سرطان الثدي الذين اشتركوا في جماعة المساندة عاشوا لمدة 18 شهرا اكثر من هؤلاء الذين تلقوا علاجا تقليديا. ويروي مؤلف الكتاب تجربة تثبت بوضوح اكثر كيفية عمل الصيدلية الداخلية للجسم من خلال تجربة زوجته الشخصية «درالين» وهى راقصة فنون شعبية كانت قد أصيبت بنتوء عظمي في قدمها سبب لها آلاما شديدة فعند الكشف عليها قرر الأطباء انه لا بد من إجراء عملية جراحية لإزالة هذا النتوء. لكنها رفضت ذلك لارتباطها بعروض راقصة مهمة مع فرقتها، ثم حدث أن التقت «درالين» بإحدى المعالجات الروحانيات وتدعى «باتريشيا» التي طلبت منها إغماض عينيها والاستغراق في حالة استرخاء تام واستدعاء حالة من التوازن الصحي والكمال الجسدي تشبه حالتها الطبيعية دون أن تشعر بأي ألم في هذه الجلسة التي لم تستغرق سوى دقائق.
وطبقا لتوالي سرد التجربة فان درالين لم تكن تؤمن بجدوى هذه المحاولة العلاجية ورغم أنها لم تلحظ أية تغييرات في حالتها إلا أنها عادت مرة أخرى إلى «باتريشيا» لتكرار المحاولة وتصادف أن «درالين» كانت غير مرتبطة بأية عروض راقصة في ذلك الوقت وانشغلت بأشياء أخرى ونسيت تماما النتوء العظمى في قدمها.
وبعد شهر لاحظت اختفاء النتوء من قدمها تماماً ولم يعد بعد ذلك أبداً! وهناك أكثر من احتمال لتفسير ما حدث لدرالين: الأول هو نجاح العلاج الروحاني الجسدي لمعالجة باتريشيا على الرغم من عدم وجود أي دليل علمي يؤكد ذلك وهو الأمر الذي يطرح سؤالاً مهما: هل يمكن أن يكون لمثل هذه القوة العقلية تأثير على ما حدث لدرالين؟ يجيب الكاتب انه لا بد أن نترك المجال مفتوحا لهذا الاحتمال فهناك مقولة معروفة بين الأطباء تشير إلى هذا ما دمنا لا نملك دليلاً علميا على أن هناك نوعا معينا من العلاج له تأثير على مرض ما فهذا لا يعني أنه ليس له أي تأثير على الإطلاق، والاحتمال الثاني هو ضمور النتوء العظمي ذاتيا ويعتمد هذا الاحتمال بصورة أساسية على فكرة النظر إلى العظام على أنها جزء من أجزاء الجسم بل إن الحقيقة انه من اكثر الأنسجة الجسمية ديناميكية ولذلك فقد نما من هذا النسيج جزء ظهر على هيئة نتوء نتيجة لضغط موضعي على العظام وعند انتهاء هذا الضغط وجد الجسم أنه ليس هناك حاجة لهذا الجزء الزائد فامتصه.
أما الاحتمال الثالث فهو أن النتوء العظمي تحسن من تلقاء نفسه وهذا الاحتمال لا بد أن يوضع في الاعتبار لان هناك عاملا آخر هو «التطور التاريخي الطبيعي» للمرض وهو من الأشياء المهمة التي تشبه الاستجابة الحقيقية للعلاج بالبلاسيبو، الا أن هناك عاملا واحدا يقف ضد هذا الاحتمال وهو ما يعتقده اثنان من الأطباء الممارسين وهو أن هذا النتوء استمر وقتا طويلا لدرجة انه لا يمكن معها أن يختفي من تلقاء نفسه.
والجسم البشري يفرز تلقائياً مادة تسمى «الشفاء الذاتي» لكنه أحياناً يكون بطيئا في إفراز هذه المادة وفي هذه الحالة يكون في حاجة إلى مساعدة خارجية لحث صيدلية الجسم على العمل بكفاءة أكثر. وكذلك الاستجابة للعلاج بالبلاسيبو، فهي تحتاج إلى مساعدة خارجية تتمثل في بعض العقاقير الإيحائية لتساعد على الشفاء.
وجسم الانسان تركيبة معقدة يعد أحد أهم ملامحها تكوينه للعلاج المناسب للخلل الوظيفي الذي قد يصيب أحد أجزائه. فهو يقوم بإفراز بعض العناصر الكيميائية أوتوماتيكيا لعلاج المرض بمقدار معين وهو ما يعرف بالصيدلية الداخلية أي المصطلح الذي يلقي بعضا من الضوء على الاستجابة للعلاج بالبلاسيبو الذي طال الجدال حوله في القرن الماضي.
وعندما نأخذ نظرية «الصيدلية الداخلية» في الاعتبار لا يمكننا أن نرى فرقاً ملحوظاً بين قدرة قوة الخيال على العلاج والقوى الجسمية المتأصلة للعلاج.
فالصيدلية الداخلية هي إحدى القوى الجسمية المتأصلة للعلاج بمعنى أنها موجودة كجزء أساسي من أجزاء الجسم، فهي ليست خاصية مكتسبة يكتسبها الجسم بالخبرة أو الممارسة ولا هي خاصية إضافية.
وفي العلاج التلقائي يتجه الجسم لشفاء نفسه دون الاعتماد على أية رسائل داخلية أو خارجية موجهة للمخ لاستثارة هذا العلاج.
لكن في العلاج بالبلاسيبو يعتمد الجسم بصورة أساسية على رسالة موجهة إليه لها إيحاء معين ويتم توجيهها للمخ إما عن طريق المريض نفسه وإما من الشخصية المعالجة له.
هذه الرسالة تعمل على حث المخ ودعمه لرفع تأثير علاج موجود بالفعل في داخل الجسم أو بمعنى تحسين سير العملية العلاجية ويصنف د. اندرو تايلور مؤسس علم التخدير بأنه «مخزن الدواء الإلهي».
كما تمكن العلماء مؤخراً من التوصل إلى أن جسم الإنسان يقوم بإنتاج مادة كيميائية مخدرة هي «اندروفين» التي تعمل على التخدير وتسكين الآلام والتي يتم إنتاجها ضمن عناصر الصيدلية الداخلية للجسم.
و ليست هناك قاعدة تقضي باختيار الجسم أو تفصيله بين العلاج الداخلي أو الخارجي لشفائه وإنما يحدث الشفاء السريع عن طريق ربط العلاج الخارجي بنتائج عمل الصيدلة الداخلية.
و من الملاحظ أن الاتجاه العام في الطب أو في أي نظام علاجي يعتمد إلى حد كبير على مهارة وقوة المعالج مع إهماله القوة العلاجية للمريض وهو الاتجاه الذي يحاول الطب البديل تبنيه هذه الأيام مما زاد من شعبيته عن العلاج التقليدي بمراحل.
الصيدلية الداخلية
و يعتبر مصطلح " الصيدلة الداخلية" عاملاً مهما يؤكد مساهمة المريض الفعالة في العملية العلاجية وهو كما يقول الكاتب المصطلح الذي يعطي صورة شاملة وإيجابية وموضوعية للعلاج بالبلاسيبو لأن عدم التأكد من نتائج العلاج بالبلاسيبو يعتبر إحدى النقاط الأساسية التي تقودنا إلى تقدم العلاج والتي تجعل العلماء يرفضون الاقتناع بالعلاج بالبلاسيبو لأنهم يفضلون الحقائق والأمور التي يمكن التنبؤ بنتائجها من خلال وقائع تقترب من درجة القوانين خاصة الاستجابة للعلاج بالبلاسيبو لا تعطي نفس النتائج دائما فالعلاج الذي ينجح مع بعض المرضى ربما لا يفيد في حالات أخرى مشابهة.
و للتأكد من نسبة الشفاء المذكورة في الدوريات العلمية نتيجة لاستخدام العلاج بالبلاسيبو لعلاج قرحة المعدة وهي شفاء ثلث المرضى المعالجين بهذه الطريقة قام بعض الأطباء بإجراء دراسة على استخدام البلاسيبو مع مرضى القرحة ومقارنته باستخدام دواء جديد كان قد ظهر في السبعينيات واعتبر ثورة في علاج القرحة في ذلك الوقت لأنه يعمل على إرجاع الحامض المعدي السبب الرئيسي لحدوث القرحة.
و كانت النتيجة أن نسبة الشفاء المذكورة التي تم شفاؤها عن طريق العلاج بالبلاسيبو قد اقتربت تماماً ممن طرق العلاج التقليدية الأخرى وهي نسبة صحيحة وحقيقة.
من هنا فإن السبب الحقيقي وراء عدم اقتناع العلماء بهذه النسبة هو عدم اهتمام العلماء بالنتائج التي يحققها العلاج بالبلاسيبو لذلك فإنه عندما تتساوى نتائج العلاج بالإيحاء مع أي نوع تقليدي آخر فإن العلماء يذكرون نجاح العلاج التقليدي فقط دون لعلاج بالبلاسيبو.
و القضية الحقيقية - على حد تأكيد الكاتب - للعلاج التقليدي ليست في كيفية نجاح تعامله مع المرضى الذين يتجهون لاستخدام العلاج البديل. و لكن في كيفية استعادة العلوم والمعرفة التي افتقدناها عن هذا النوع من العلاج.
و الاستجابة للعلاج بالبلاسيبو من خلال الصيدلية الداخلية للجسم تمثل نقطة تقاطع مهمة مع العلاج التقليدي والبديل، خاصة أن العلاج التقليدي ما زال يلقي الاهتمام والاستحسان عن العلاج البديل أكثر من أي وقت مضى.
و بالمقارنة بين طريقتي العلاج التقليدي والبديل يجب أن نضع في الاعتبار كلتا الطريقتين قد تم استخدامهما على نطاق واسع في مجال العلاج. إلا أنهما كانت كثيرا ما تحجبان المعلومات أكثر مما توضحانها.
علاقة متبادلة
وقد أوضح أطباء العلاج التقليدي إلى أي مدى تصل أهمية ارتباط العقل بالجسم وهو ما يتحقق بإشراك المريض في العملية العلاجية بجميع مراحلها على نحو يقوم به أطباء العلاج البديل الذين يوثقون علاقتهم بمرضاهم بينما يكتفي الأطباء الآخرون بمجرد إعطاء المريض الدواء من دون التحدث معه أو الاستماع إليه لأنه ينظر إليه باعتباره مجرد مستقبل للدواء وبالتالي يصبح شفاؤه متوقعا مع إغفال تام للطبيعة النفسية للمريض وموقفه من الشفاء.. ورغم ذلك اضطر الأطباء التقليديون إلى الاعتراف بالطب البديل عن تراض منهم واقتناع.. مما أدى إلى قيام بعض الأطباء التقليديين بدراسة العديد من أنواع الطب البديل لعلاج مرضاهم بالطريقة التي يرونها.
وهناك فارق كبير بين العلاج التقليدي والبديل اليوم الذي يعتمد بصورة أساسية على الاستجابة للعلاج بالبلاسيبو ليحقق نتيجة جيدة في الشفاء اكثر من الدواء التقليدي لان هناك بعض الأمراض التي لا يمكن علاجها بالعلاج التقليدي وفي هذه الحالة يبدأ المريض في البحث عن العلاج البديل للقضاء على الآلام المزمنة والتهاب المفاصل الذي لا يتأثر ولا يتحسن بالعلاج التقليدي ولان المعالجين ينظرون للمرضى باعتبارهم عاملا فعالا ومشاركا في العلاج ويضع المرضى موضع المتحكم أو المنظم للعلاج فيمكنهم اختيار الأعشاب المريحة وانتفاء المعالج الروحاني المناسب.
ووجدت الاستجابة للبلاسيبو أخيراً مكانها المناسب والصحيح في التشابه مع العلاجات الأخرى ويرجع ذلك إلى نقطة التلاقي الخصيبة بين كل من العلاج التقليدي والبديل.
ويرى الكاتب أن هناك تأثيرا رمزيا لكلتا الطريقتين التقليدية والبديلة والتي يعزو إليها التأثير في معنى ما إذا كان الشخص مريضاً أو معافى كما أن النوعين من العلاج يتطلبان فترة زمنية طويلة لتحقيق الشفاء.
والحالات التي استجابت للعلاج بالبلاسيبو كانت كلها نتيجة لتحدث المريض عن مرضه ووجود من يستمع له ويجد في المقابل شرحا لمرضه وطريقة علاجه وما المفروض أن يفعله تجاهه. ويشعر بان هناك من يهتم به ويشعر بأهمية هذا الاهتمام. مما يؤدي إلى وصول المريض إلى إحساس قوي بالقدرة على التحكم في مرضه أو أعراضه.
وفي الحقيقة يبدو أن هذه الطريقة مؤثرة في الحالات الحرجة التي يواجهها العلاج التقليدي ولا تأتي بنتيجة جيدة. أما نوعية المرضى الذين يقبلون على الطب البديل فهي لا تقتصر على فئة معينة وإنما تمتد إلى المتعلمين والمصابين بأمراض خطيرة بالإضافة إلى الأمراض النفسية.
ويرى د. تيد كابتشوك. ود. ديفيد ايزنبرج من كلية الطب في جامعة هافارد أن سبب جذب العلاج البديل للمرضى أولا أن الطبيعة والمؤثرات الطبيعية كلها معا تعتبره قوة فعالة والتي تعتبر مؤشرا جيدا بالنسبة لنا. أن تكون قوة الطيعة متكاتفة معا في صفنا وثانياً لان العلاج البديل مليء بالعلم والمعلومات التي يمكن أن تقرأها في كتاب وان تتعلم كيفية العلاج بنفسك وليست له أي علاقة بالكيمياء أو بالطيعة الحيوية.
الاستجابة للعلاج
وكذلك دخلت الروحانيات في كثير من العلاجات البديلة مثل العمل اليومي للمحافظة على صحتك سليمة يمكن أن يشبه الطقوس الدينية أو مثل تناول بعض الأعشاب لكي تظل بصحة جيدة أو للشفاء من المرض وبمرور الوقت تصبح مثل هذه الأشياء اليومية البسيطة ضمن معاني الإصلاح. ويرى الكاتب أن التسامح والرغبة في الشفاء هما من الأشياء التي تفتح الطريق للصيدلية الداخلية للجسم لتؤدي عملها بصورة فعالة وبالتالي تتم الاستجابة لتؤدي عملها بصورة فعالة ومن ثم الاستجابة للعلاج والشفاء التام.
والدليل على ذلك ما حدث أثناء الحرب العالمية الثانية في الوقت الذي لم تكن تعلم فيه ما تعرفه الآن عن الصيدلية الداخلية. أصيب بعض الجنود في الحرب وكانوا يقيمون في المستشفى لتلقي العلاج وعندما علموا أن حالتهم الصحية في تحسن مما قد يجعلهم يعودون مرة أخرى لساحة القتال ولان صورة زملائهم الذين قتلوا في المعركة كانت لا تزال في مخيلتهم وعلى الرغم من رغبتهم في الدفاع عن وطنهم إلا انهم لم يكونوا سعداء بهذا التحسن نتيجة لشعورهم الداخلي بأنهم ربما يلاقون نفس مصير زملائهم القتلى مما اثر في معدل تحسن حالتهم الصحية وذلك لان الصيدلية الداخلية لم تقم بعملها بصورة فعالة نتيجة لهذا الشعور الداخلي مما اثر في معدل تحسن حالتهم الصحية لأنهم لم تكن لديهم الرغبة في الشفاء.
أما ريتشارد 40 سنة فقد أصيب بالشلل نتيجة لحادث سيارة أدى إلى كسر العمود الفقري مما أدى إلى جلوسه على كرسي متحرك وأصيب بحالة اكتئاب لأنه اصبح عالة على زوجته التي تعمل لرعاية الأسرة كما أصيب أيضا بآلام في ذراعيه نتيجة لاستخدامه عضلات يده في تحريك.. الكرسي وقام بتجربة أنواع كثيرة من الأدوية دون فائدة وحاول الطبيب أن يعرف سبب غضب ريتشارد المستمر وتحدث معه فصارحه أنه لن يسامح السائق المسئول عن الحادث أبدا لأنه السبب فيما يعانى منه الآن ولكن عندما علم من الطبيب أن وضعه هذا سيستمر ولن يتغير بدأ في الغفران والتسامح تدريجيا وعند ذلك بدأ الألم يختفي.
يقول الطبيب أن التسامح والمغفرة أداة قوية لمساعدة الصيدلية الداخلية على العمل بكفاءة عندما يكون هذا التسامح حقيقياً.
أما حالة رودني الذي كان يعاني من انفصام في الشخصية وكان يتابعه د. أوبن من مستشفى ماساتشوشتس فعندما رفض التحدث إلى الطبيب أعطاه دواء لتهدئته وعلى الرغم من أنه كان يزيد الجرعة تدريجيا إلا أنه لم يكن يؤثر في حالته حتى جاء يوم بدأ فيه رودنى التحدث مع الطبيب وقال له: انك كنت دائما تحاول مساعدتي ولم تغضب مني على الرغم من أنني كنت أرفض التحدث إليك وأنا الآن سأتناول العلاج ولكن الأقراص وليست الحقن لأنني كنت أكرهك وأكره الطريقة التي كنت تعالجني بها. وبعد تناول رودنى للدواء تحسنت حالته خلال أسبوع والسبب في ذلك هو أن الصيدلية الداخلية يمكن أن تمنعك من التحسن إذا لم تكن لديك الرغبة في الشفاء. والتسامح له شقان: شق مع الغير وذلك عن طريق تطهير النفس من المشاعر السلبية نحو الآخرين مثل تسامح والد إحدى الفتيات التي لقيت حتفها في حادث انفجار أوكلاهوما مع والد القاتل حين شعر بمأساته لأنه مضطر لتسليم ابنه ليواجه حكم الإعدام فتخلى عن شعوره العدائي للقاتل وتعامل معه من وجهة نظر متسامحة مما دفع عنه الأعراض المرضية التي كانت قد بدأت تظهر عليه كنتيجة لمشاعر الكراهية والعداء التي تمكنت منه.
الشق الآخر هو التسامح مع النفس وهذا هو الأهم وهي نقطة يغفلها الكثيرون فإحساس المريض بمسئوليته عن مرضه أو عن عدم تحقيق الشفاء المرجو يتسبب في مضاعفة الآلام واشتداد وطأة المرض عليه.
فالمشاعر الإيجابية تتسبب في تهيئة الممرات لاستقبال العناصر الإيجابية وتحقيق الشفاء السريع كما أنها تتسبب أيضاً بذلك وبشكل غير مباشر في دفع الصيدلية الداخلية لإنتاج الدواء المطلوب . . منقول من منتديات حوى عن البيان
- الرقى معالجات نفسية يقرها الطب الحديث
- إن فهم العلاقات المتبادلة والراسخة بين الجسم والنفس يجعلنا ندرك أهمية العلاج النفسي أو ما يسمى بالطب الروحاني. والطب النفسي البدني هو الذي يبحث في العلاقات المتبادلة بين الجسم والنفس وفي تطبيق الانفعالات وغيرها من العوامل النفسية على مشاكل المرضى. وإن الدوافع الابتدائية يمكن أن تتظاهر بالتساوي في العقل وفي الأعضاء. وإن القلق يمكن أن يصيب العضوية بآليات مختلفة. وهكذا فالتآثرات بين العضوية والنفس من الأمور البديهية.
فالانفعال والنشاط الروحي وحتى درجة الذكاء يمكن أن تتبدل في سياق الأمراض العضوية
المختلفة، يدل على ذلك ما نشاهده من همود وكآبة عند المصابين بعلل معدية _ معوية أو
تناسلية _ بولية، وكذا الهذيان عند المصابين بالحمى الشديدة. وعلى العكس فالحالة
النفسية تؤثر في العضوية من غير شك، فالانفعال قد يؤدي إلى البوالة أو الإسهال أو
توقف الهضم، وحتى أنه يكفي عند بعض الناس إمعان الفكر في بعض الأمور حتى تحدث عندهم
حركات تدل على مجرى الحركة النفسية عندهم. وكثيراً ما يتبدل المشهد السريري بتأثير
الانفعال النفسي ومن هنا شاعت طريقة المعالجة النفسية المبينة على الإقناع لشفاء
كثير من العلل الوظيفية والعصبية.
و قد
تبين أن للعوامل النفسية أثر عظيم في إحداث العلل العصبية والوظيفية وفي الشفاء
منها أيضاً، وفي طليعة هذه العوامل الانفعال وما يحدث من أثر سيئ في سير الوظائف
الفيزيولوجية في أنحاء البدن كافة والذي يفضي أحياناً إلى اضطراب في أحد أجهزة
البدن قد يستمر ويكون باعثاً حقيقياً لإحداث علة عضوية ثابتة _ قرحة المعدة، فرط
التوتر الشرياني _ فالقلق مثلاً قادر على الإخلال بالوظائف الفيزيولوجية وعلى إحداث
أعراض بدنية - نفسية إذ يمكن للقلق الحاد أن ينبه مثلاً الجملة النباتية الودية
Sympathic
مؤدياً إلى تشنج البواب أو الفؤاد أو المعي، كما يمكن أن يحدث زيادة في الحموضة
المعدية أو إسهالاً أو إمساكاً أو خفقاناً في القلب أو خوارج انقباض أو ضيقاً
تنفسياً أو تعرقاً في الوجه واليدين ....
و يقصد
بالمعالجة الروحية أو النفسانية تطمين المريض ورفع معنوياته والإيحاء إليه بأن مرضه
سيسير عاجلاً نحو الشفاء. وقد أكد الدكتور القوصي [الدكتور عبد العزيز القوصي عن
كتابه (أسس الصحة النفسية)] أن أثر الإيحاء في الحالات الجسمية أمر معلوم. ففكرة
الصحة أو المرض يمكن أن تؤدي إلى الصحة أو المرض. ويرجع قسط كبير من نجاح العلاج
الدوائي إلى ما يصاحبه من إيحاء بالشفاء. وإذا توفر الاعتقاد أمكن الوصول إلى
الشفاء دون أخذ الدواء. وقد أثبت الأطباء أن للإيحاء فوائد علاجية في كل من الأمراض
العضوية والوظيفية والنفسية.
ففي
الأمراض العضوية يفيد الإيحاء في عزل العنصر النفسي الذي يزيد في المظاهر المرضية
ويشوش على الطبيب الصفحة السريرية ما قد يضلله في التشخيص. كما ثبت أن الإيحاء قد
يشفي أمراضاً عضوية بحتة كما هو معروف عند أطباء الجلد من شفاء الثآليل بالإيحاء.
أما في
الاضطرابات الوظيفية فإن فائدة الإيحاء تكون أقوى، ومن أمثلتها معالجة بعض أنواع
الخفقان والصداع وسوء الهضم والإمساك وفي معالجة أقياء الحمل المعندة _ كما هو ثابت
عند الأطباء المولِّدين _ يقول الدكتور شوكت القنواتي: ومما تجدر الإشارة إليه
العلاقة الوثيقة بين الجهازين الوّدي والعصبي الدماغي مما يعلل دور الإيحاء في شفاء
أقياء الحمل المعندة والخطرة. وتقوم المعالجة النفسية بالإيحاء على عزل المريضة
تماماً ثم بالتظاهر مثلاً بوجود انحراف في الرحم سيعمد المولد إلى ردّه أو إقناعها
بأن لدى المولد طريقة لا تخيب سيطبقها لها، وكثيراً ما تكفي المعالجة النفسية هذه
في شفاء تلك الأقياء.
أما
فائدة الإيحاء في الأمراض النفسية فهي أعظم وأجل، إذ يعتبر في عداد أدويتها القيمة
والناجعة وخاصة تلك الحالات الناجمة عن القلق. وحديثاً تعتبر طريقة التحليل النفسي
من العلاجات المهمة للآفات النفسية. وفي هذا المجال يقول الدكتور النسيمي: وإن
المعالجة الروحية في الطب الإسلامي إنما تعتمد على الرقى والأدعية المأثورة. وتشترك
الرقى مع الإيحاء ببعض الشروط والظروف، ويعتبرها المسلمون استغاثة بالله تبارك
وتعالى واستمداداً للعون منه.
إن فعل
الرقى كعلاج يختلف بحسب درجات الإيمان واليقين وصفاء النفس وخاصة عند الراقي، وحسب
درجة الالتجاء والتذلل والرجاء من الله تعالى حين الرقية، وعلى حسب اعتقاد المرقي
بالرقية وثقته بأهلية الراقي وإخلاصه. هذا ويعلل الدكتور النسيمي النتائج الحسنة
للرقى الإسلامية بأحد أمرين: الإيحاء والمعونة الإلهية أو بكلا الأمرين.
- 1. الإيحاء:
- و به ترتفع معنويات المريض وتخف الأعراض ويشعر بالتحسن أو يشفى، والطب الحديث يقر أثر الإيحاء في الشفاء بدون شك. يقول ابن القيم: وقد جعل الله سبحانه لكل داء دواء ولكل شيء ضداً، ونفس الراقي تفعل في نفس المرقي بين نفسيهما فعل وانفعال، كما يقع بين الداء والدواء فتقوى نفس المرقي وقوته بالرقية على ذلك الداء فيدفعه بإذن الله ... وكلما كانت كيفية نفس الراقي أقوى كانت الرقية أتم. وقال: إن الأذكار والأدعية التي يستشفى بها، وإن كانت نافعة شافية لكنها تستدعي قبول المحل وقوة همة الفاعل وتأثيره
-
- 2. المعونة الإلهية:
- يعتقد المسلمون بمعونة الله القادر على كل شيء والتي يقدمها سبحانه استجابة لدعوة المضطر، الصادرة من أعماق نفسه، أو معونة لعبده الصالح الذي رجاه، يقول تعالى: {أمّن يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء}. وبقدر ما يكون الراقي كامل الإيمان قوي العزيمة صادق اللجوء إلى الله، بقدر ما تكون رقيته ناجعة بإذن الله. ولقد نقل ابن حجر عن الإمام ابن التين قوله: الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطب الروحاني، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى.
و يعتقد
المسلمون أن الرقية قد تنفع لوحدها بدون دواء مادي، وذلك عند عدم تيسر الدواء
المادي أو فقدانه أو فشله. وإن يقين الراقي بالله تعالى وصدق رجائه منه حين الرقية
وثقة المرقي بالله ثم بالراقي يزيد من إمكانية الشفاء. ويستحسن تكرار الرقية لعدة
أيام. هذا وإن شفاء اللديغ بالرقية لأكبر دليل على وجود أمر زائد عن الإيحاء وحده،
لأن الإيحاء لا يكفي في شفائها فهو يزيل المخاوف والقلق حول نتائج اللدغة.
و يرى
النسيمي أن من أسباب فشل المعالجة بالرقى _ حين فشلها _ أن يتقصد المريض إهمال
الدواء المادي المتيسر له، والمعروف فائدته لمرضه. ففي ذلك الفشل تأديب من الله
تعالى للمهمل. ولأنه في إهماله هذا ترك للأخذ بالأسباب، وكأنه بذلك يعترض على
الحكمة الإلهية في خلق الأدوية المادية التي هي سبب الشفاء، فتؤدبه القدرة الإلهية
بخيبة رقيته. وما أجاز الإسلام الرقي _ بحال من الأحوال _ لتحل محل الدواء المادي
كما ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلوكه في صحته ومرضه، ولكن لتكون
تذكيراً بالله ودعماً نفسياً لروحه لبلوغ أفضل النتائج العلاجية.
و لقد
تكلم علماء المسلمين منذ القديم على أهمية الأدوية الروحية الداعمة للأدوية المادية
فقال ابن القيم: نبه الإسلام المريض على أدوية روحانية يضمها إلى الأدوية المادية
المتوفرة، وتشمل اعتماد القلب على الله والتوكل عليه والالتجاء إليه والتذلل
والصدقة والدعاء والاستغفار والإحسان إلى الخلق وإغاثة الملهوف. وهذا جاء على قانون
الحكمة الإلهية وليس خارجاً عنها. ولكن الأسباب متنوعة فإن القلب متى اتصل برب
العالمين وخالق الداء والدواء ومدبر الطبيعة ومصرفها على ما يشاء، كانت له أدوية
أخرى غير الأدوية التي يعاينها القلب البعيد منه، غير المرضي عنه، وقد علم أن
الأرواح متى قويت وقويت النفس والطبيعة تعاونا على دفع الداء وقهره.
و هذا
الذي تكلم عنه ابن القيم، تحدث عنه الدكتور بول آرنست في كتابه (الله يتجلى) حيث
يقول: دلت الإحصائيات أن 80 % من المرضى في جميع المدن الأمريكية ترجع أمراضهم إلى
حدٍّ كبير إلى مسببات نفسية وعصبية. ومما يؤسف له أن كثيراً ممن يشتغلون بالعلاج
النفسي يفشلون لأنهم لا يلجؤون إلى بث الإيمان بالله في نفوس المرضى مع أن الأديان
جاءت لتحريرنا من هذه الاضطرابات. وإن تسليمي بالنواحي الروحية إلى جانب إلمامي
بالمادة العلمية يمكنني من علاج الأمراض علاجاً يتسّم بالبركة الحقيقية.
و قد
يعترض قائل فيقول: إن القرآن نزل هداية للبشر ودستوراً وتشريعاً لحياتهم فما بالكم
تجعلونه طباً وعلاجاً؟ _ يجيب الشيخ عبد الله صديق على هذا فيقول: إن الله سبحانه
وتعالى أنزل كتابه لحكم عدة، ومنها إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومنها بيان
الشرائع والأحكام التي كلف الله بها عباده، ومنها قراءته في الصلاة، والتعبد
بتلاوته، ومنها التبرك به. قال تعالى: {و هذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين
يديه} ومنها التداوي به. قال تعالى: {و ننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}
وقوله: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}. فهذه الحكم لا تنافر بينها ولا تناقض، وهي
متداخلة متوافقة يمكن الأخذ بها جميعاً.
و قال
عبد الله صديق: إن التداوي بالقرآن يتضمن الالتجاء إلى الله في كشف الضُّر عن
المصاب بكلامه الذي فيه سره، وفيه ربوبيته، وفي لفت الناس إلى هذا الجانب الروحي
حكم أهمها أن يكون بين العبد وربه صلة دائمة تقوي يقينه وتملأ قلبه طمأنينة فلا
يعتريه قنوط ولا تضجره المصائب والأمراض على كثرتها وشدتها لاعتماده في دفعها على
من وسعت رحمته وعمّت نعمته سبحانه وتعالى.
و
ختاماً نقول أن الإسلام كما أمر بالتداوي بالأدوية الحسية المادية والأخذ بالأسباب
العلمية فإنه رغب بمشاركتها بالأدوية الروحانية من رقى بكلام الله العزيز وأدعية
مأثورة بل وجعل نبي الله الدعاء ضرب من العبادة فقال: " الدعاء مخ العبادة " حتى
يتذكر المريض خالق الداء والدواء، وتبقى عقيدة التوحيد خالصة له سبحانه وتعالى في
الصحة والمرض مما يجعل روح المريض هادئة مطمئنة متفائلة بالتجائه إلى رب الأرباب،
فيقوى صبره، ,تغيب الوساوس والمخاوف والأوهام , ترتفع معنوياته وينمو أمله بالشفاء.
مما يؤدي إلى ازدياد مقاومته فعلاً وتختفي أعراض الاضطراب النفسي ويبدو التحسن
بالطبع حتى في أعراض مرضه العضوي أو الوظيفي. ويتم الشفاء أحياناً فيهما معونة من
الله وفضلاً. كل ذلك بمقدار ثقة المريض بالرقية والراقي وبمقدار قوة إيمان الراقي
ويقينه بالله سبحانه وتعالى. ذلكم مبتغى المعالجة الروحية في الإسلام.
المقالة منقولة من
موقع
http://www.science4islam.com/html/1-3a.html
0 التعليقات:
إرسال تعليق